العوامل التي أدت الى ضياع حضرموت

بادئ ذي بدء لم يكن هناك قطر يسمى الجنوب العربي في جنوب شبه الجزيرة العربية ، إنما خرجت هذه التسمية الى الوجود بعد احتلال بريطانيا لعدن عام 1839 ، وكانت قبل هذا التاريخ وبعده إقطاعيات قبلية يحكمها شيوخ قبائل خارجة عن سيطرة نظام المملكة المتوكلية في صنعاء ، ولعل أكبر دليل على ذلك أن عدن ذاتها كانت تتبع مخلاف الجند في يوم ما. ، ثم احتوت بريطانيا هذه الإقطاعيات ، وحمتها ، ونصبت علي بعضها سلاطين محليين أو من أصول عربية أتت بهم من الهند ، ومما يؤيد هذا الواقع إمارات ما سمي بعد ذلك باتحاد الجنوب العربي الذي يكشف لنا حقيقة الوضع السياسي والاجتماعي لها ، وهذه المسميات هي:
اتحاد59
سلطنة العوبلي
إمارة بيحان
إمارة الضالع
سلطنة الفضلي
سلطنة يافع السفلى
مشيخة العوالق العليا
ملحق اتحاد 62
مشيخة القطيبي
مشيخة العلوي
مشيخة العقربي
مشيخة دثينة
سلطنة الحواشب
سلطنة العبدلي
سلطنة العوالق السفلى
مشيخة المفلحي
مشيخة الشعيب
ولعله من خلال هذه المسميات يتضح لنا التكوين السياسي لهذه الإقطاعيات التي جمعتها بريطانيا فيما سمي باتحاد الجنوب العربي والتي أخذت تسميته من تسمية بريطانيا لهذه المنطقة South Arab، وهذا يعطينا مفهوما أنه قبل قيام لم تكن هناك دولة تسمى الجنوب العربي ، وإنما فيما يبدو كانت المنطقة جزءا من اليمن اقتطعته بريطانيا العظمى التي كانت لا تغرب عن أملاكها الشمس ؛ لحماية مصالحها في عدن ..
ودليل ما ذهبت إليه أنه عندما استولت الجبهة القومية على الحكم في عدن وتوابعها رفضت تسمية بريطانيا وأعادت تسميته باسمه الحقيقي الجنوب اليمني ثم ذهب الحزب الاشتراكي الى أبعد من ذلك وأسماه (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) ، يمنن كل مؤسسات الدولة من أصغر مؤسسة الى أكبر مؤسسة ، فكل شيء تجد فيه اسم اليمن ..
وقد نأت حضرموت بنفسها عن اتحاد الجنوب العربي ورفضت الانضمام إليه ، ومع أنه كان في مقدور بريطانيا الضغط على سلطنتي القعيطي والكثير للانضمام إلى الاتحاد إلا أنها لم تفعل . ويبدو أنها كانت تفكر تفكيرا آخر ، وهو قيام دولة مجاورة لعمان والخليج الذي لازالت تستعمره ، ولها وجود فيه ، وتكون مكونة من سلطنات القعيطي والكثيري والمهرة وسقطرى بدليل أنها غزت بجيش البادية الحضرمي عام61 أو62 المهرة وضمتها إداريا الى المستشارية في المكلا . إلا أن قيام ثورة اليمن في 62 أفسد عليها تخطيطها ، وأقلق وجودها في المنطقة ؛ لذلك نكاية في جمال عبد الناصر الذي تدخل في اليمن بجيشه ، وأخذ يمد الحركات بالسلاح نفضت يدها عن محمياتها في الشرق وتخلت عنها ، وتركتها فريسة للتجاذب الحزبي والحراك القومي الثوري منذ أوائل الستينيات ، وكانت تعلم بكل ما يجري ، ثم سلمت اتحاد الجنوب العربي للجبهة القومية التي كانت مخترقة من رجال مخابراتها ، وأيضا نكاية في عبد الناصر..
وقد ترتب على ذلك إيهام الشارع ببروز الجبهة القومية كقوة سياسية وطنية وعسكرية ولو لم تكن كذلك في واقع الأمر ، ولو أنها لم تكن كذلك لما اعترفت بها بريطانيا وسلمت لها الحكم في عدن ، ومن ثم وقعت القوى السياسية والعسكرية في حضرموت في هذا الفخ ، وتبعت الشارع الذي كان مفتونا في ذلك الوقت بالد الثوري والقومية العربية ، وزاد من حماسه وإثارته ثورة اليمن ودخول الجيش المصر لمساعدتها..
وقد ساعدت عدة عوامل في جر حضرموت الى هذا المستنقع العفن الذي دمر حضرموت كما دمر الجنوب اليمني كله ، وقضى على عدن المزدهرة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا والتي كان الانجليز يطلقون عليها (هاف لندن) وهذه العوامل هي:
أولا: رفض المحميات الشرقية لقيام اتحاد فدرالي فيما بينها والذي اقترحته المستشارية البريطانية في المكلا بعدما ضمت المهرة إداريا إليها ، وربما كانت بريطانيا بذلك قيام محور شرقي يرتبط بعمان والإمارات المتصالحة في شرق الجزيرة العربية ؛ لذلك كان تسليم حضرموت للجبهة القومية عقابا لها..
ثانيا: تدني الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي في مؤسسات السلطنات مما وفر بيئة خصبة لاختراقها والسيطرة على عقول مسئوليها وتوجيهها الوجهة الحزبية ، وانتزاع تأييدها للجبهة القومية
ثالثا: ضعف الاتصالات والعلاقات الخارجية مما سهل مهمة المنقضين عليها . حيث لا يوجد اتصال أو روابط قوية بدولة الجوار السعودية ، كما لم يكن هناك اتصال بدولة قوية في ذلك الوقت كمصر تستطيع تحريك الشارع وإثارته لو أرادت..
رابعا: الدعوة الى القومية العربية ، وطغيان التيار القومي الثوري القوي في العالم العربي بفعل زعامة عبد الناصر وبفعل الإعلام المترجم لهذه الزعامة ، وبفعل ذلك تكونت خلايا الجبهة القومية من أبنا الحضارم في الستينات في كل من الكويت والسعودية ، وكانوا من طبقة العمال ومتوسطي التعليم ،و وخرج بعض أفرادها الى المدن والقرى وبثوا أفكارهم القومية كما بثوا هذه الأفكار بين أفراد جيش البادية بالذات ، وقد نجحت من خلال هذا التغلغل والتكوين في ضم حضرموت الى الى الجنوب فيما بعد ويبدو أن بقاياهم اليوم لازالت تطالب بعودة حضرموت الى أحضان الجنوب ..
خامسا: انقلاب اليمن في سبتمبر 1962 ألذي أحدث هزة في الجزيرة العربية ، وتدخل الجيش المصري لمساندة الانقلابيين زاد من تأجج التيار الثوري ، وأصبحت نغمة الوحدة العربية مطروحة على الطاولة ، وأصبح الكل يتغنى بها في أنحاء الجزيرة العربية من شرقها الى غربها ومن جنوبها الى شمالها ، بل غنى العالم العربي كله (وحدة ما يغلبها غلاب) و(من الخليج الثائر الى المحيط الهادر لبيك عبد الناصر)
وهو الأمر الذي جعل الأصوات العقلانية تخفت ثم تنطقي..
سادسا: ضعف المؤسسات السياسية والأمنية ، فعلى الرغم من وجود وزيري دولة للسلطنة ومجلس دولة يشبه المجلس الاستشاري يسير شئون السلطنة ، إلا أن تحرك هذه المؤسسات كان ضعيفا محليا وخارجيا ، وذلك لقلة الخبرة السياسية والممارسة الفعلية . أضف إلى ذلك أن السلاطين أنفسهم كانوا ضعافا يقودهم بعض المستشارين الذين لهم انتماءات خاصة ولهم رؤى مشبوهة ، ومما زاد في هذا الضعف السياسي أن المستوى التعليمي والثقافي عند الجميع متدني . أما المؤسسة العسكرية التي كانت تتكون من جيش النظام الذي يتبع السلطان القعيطي ، وجيش السلطان الكثيري أو حرسه وجيش البادية الحضرمي الذي كان يأتمر بأمر المستشار البريطاني أما المهرة فقد كانت إمارة قبلية ليس لها كيان إداري أو مؤسسي ، ومن خلال هذا العرض فقد كان رأس القوة التي تحمي حضرموت كلها في المكلا ، وكان معظم ضباط الجيشين شبه أميين بالكاد يفكون الخط ، فجميعهم وصلوا الى الرتب العليا بالتقادم أو الشجاعة وقد التقيت بأحدهم وكان أميا لايحسن القراءة والكتابة وكان برتبة ملازم أول ، بالإضافة الى أنهم لم يتلقوا تدريبات خارجية أو أي احتكاك عسكري.
من كل هذا نستخلص أن المؤسسة العسكرية كان ينقصها العلم والخبرة والوعي السياسي الذي يجعلها تحسن التصرف في مواجهة مثل هذه المواقف التي تواجهها ؛ لذلك سهل على الجبهة القومية أن تستقطب بعضهم
وتستميل البعض الآخر ، وتهدد آخرين بالتصفية الجسدية وقد سلموا حضرموت للجبهة القومية خوفا وطمعا وفي الأخير صفتهم الجبهة وشردتهم..
سابعا: اختلاف الحضارم وسلبيتهم ظاهرة محيرة ، وإذا كان الاختلاف ظاهرة طبيعية عند مختلف الشعوب ، فإنها عند الحضارم داء ولا تبدو طبيعية وهناك حكايات عن هذا الاختلاف لا يتسع المقام لذكرها ، فهم قلّما اجتمعوا على شخص واحد واليوم حتى في المجتمع القبلي لن تجد قبيلة مجتمعة على مقدم لها أو تطيعه بينما في اليمن يطيعون شيخهم طاعة عمياء ، وتجد كل واحد يتطلع الى الزعامة ويريد يكون قائدا مع أن إمكانياته لا تسمح له ؛ لذلك تفرقت كلمتهم ، وتشتت جمعهم وطمع الآخرون فيهم..

Admin عدد المساهمات : 140 تاريخ التسجيل : 09/12/2016

عدد المساهمات : 1 تاريخ التسجيل : 10/12/2016

شكرا علي الطرح الجميل بارك الله فيك

» هل تنقسم حضرموت. ؟؟؟
» لا تذلوا حضرموت
» حضرموت المستقبل
» حضرموت .... ماذا بعد
» حضرموت واليمن