قصة الحضارم في اندونيسيا نقلا عن صحيفة عكاظ السعودية
ققصة (الحضارم) في اندونيسيا لايمكن كتابة فصولها بعيداً عن تاريخ الإسلام في ذلك الارخبيل الذي يضم 13,700 جزيرة وحوالى 300 لغة.
هاجر (الحضارمة) إلى هذه الجزر في زمن قديم جداً ربما مع بداية الإسلام وبعد بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.. واستوطنوا معظم جزر الهند الشرقية.. لكن اندونيسيا كانت الاكثر جذباً لهم فاستوطنوها وتزايدت اعدادهم حتى بلغت الآن حوالى خمسة ملايين حضرمي اندمجوا في المجتمع الاندونيسي (الجاوي) فأثروا فيه وتأثروا به.. وتزاوجوا وتصاهروا وظهرت أجيال جديدة من ابناء الحضارمة لايعرفون اللغة العربية إلا من خلال اجدادهم.. ولايعتبرون الان مغتربين بل هم جزء من وطن جديد لهم فكان منهم المسؤولون والوزراء ومن تسنم منهم أرقى الرتب العسكرية.. وكافحوا لنيل استقلال اندونيسيا جنباً إلى جنب مع أهل البلاد الاصليين..وكشأن العرب فقد انعكست حالة العالمين العربي والاسلامي على وضع الحضارمة في أندونيسيا فدبت في عام 1920م خلافات انحصرت في الجانب الديني بين فريقين السادة العلويين وغير السادة مما تسبب في وجود عدة جمعيات دينية كل منها يحاول تخطئة الاخر ولازالت جذور ذلك الخلاف حتى الآن.
واذا استبعدنا الخلاف فان الحضارمة الان جزء من المجتمع الاندونيسي لا تفرقهم إلا السحنة العربية واحياناً تختفي تلك السحنة لتظهر في الإسم فقط.
(عكاظ) عاشت أياماً في اندونيسيا تبحث عن جذور الحضارمة هناك فكانت هذه السلسلة.
لم يكن الموضوع يشغلني كثيرا وانا اهبط للمرة الاولى في مطار سوكارنو بجاكرتا.. فقد بهرني المطار بتنسيقه وتصميمه الآسيوي الجميل.. ولم أدرِ انني في بلد المائتي مليون نسمة الا بعد ان واجهت الالاف في المطار فقط.. والالاف في شوارع المدينة.. والالاف على دراجات عادية واخرى نارية.. والالاف يقطعون الشوارع.. بلاد كلها بشر.
لم يكن ذلك الموضوع يشغلني كثيرا.. لولا انني وبدون سابق بحث او اكتشاف اجد انني مع سائق اسمه احمد باوزير لا يجيد من العربية الا (السلام عليكم).. ومع مرافقي واسمه (علي السقاف) واحد العاملين في الفندق واسمه (محمد فدعق) وفي السوق وجدت ان بائع الاجهزة الاليكترونية هاشم العطاس يجلس مع صديقه حسين الحبشي.. وفي سوق آخر كان بائع الملابس مصطفى العيدروس يحدثني عن العرب وهو يشير الى السيد شيخ الجفري احد ابرز اعضاء البرلمان الاندونيسي.. وفي جلسة اخرى مع عدد من الصحفيين اكتشفت ان (علوي شهاب) صحفي بارز في جريدة (ريبيليك) وان السيد علوي حداد احد الموسيقيين المشهورين وكذلك فؤاد بارجاء ممثل معروف في اندونيسيا الى جوار المخرج الشهير علي شهاب.
اما المسؤولون الكبار فحدث ولا حرج.. فهناك اشهر وزير خارجية اندونيسي معروف على المستوى العالمي وهو (علي العطاس).. وكذلك وزير الخارجية الذي جاء بعده في فترة الرئيس عبدالرحمن وحيد وهو علوي شهاب.. بالاضافة الى وزير المالية في عهد سوهارتو فؤاد باوزير.. هذا الى جانب وزير الشؤون الدينية الحالي الدكتور سعيد عقيل منور السقاف.
هذه فقط مقدمة وجدتني اعود فيها الى اندونيسيا لاعيش عشرة أيام كاملة مع الحضارمة في اندونيسيا.
عودة إلى التاريخ
متى جاء أول حضرمي إلى اندونيسيا؟
السؤال صعب، بل وصعب جداً لانك تعيدنا إلى القرون الهجرية الأولى.. قالها السيد شيخ الجفري أحد ابرز الشخصيات الدينية في جاكرتا.. وعضو البرلمان الأندونيسي.. وصاحب عدد من المعاهد والمدارس الخيرية ودور الايتام في إندونيسيا.
هل قرأت عنه؟
هذا كتاب باللغة الاندونيسية عنوانه (إظهار الحق) يشير إلى أن أول دولة اسلامية انشئت في (فرلك) سنة 225هـ أي في القرن الثالث الهجري.. وهناك مصدر آخر يقول بأنه في سنة 173 دخل مركب من بلاد العرب الى بندر -ميناء- (فرلك).. وهناك مصدر آخر يقول بأن السلطان علاء الدين سيد مولانا عبدالعزيز شاه كان حاكما في (آشية) بجزيرة سومطرة وانشأ دولة اسلامية هناك وكان حوله الكثير من العلماء العرب.. وعندما أقول العرب فان الهجرة الأولى كانت من جنوب الجزيرة العربية وبالتحديد من حضرموت.
الاسلام في اندونيسيا
صلاح البكري.. أحد الادباء والمثقفين الحضارم في اندونيسيا.. وقد عاش في المملكة فترة طويلة حيث عمل منذ عام 1957م في الإذاعة السعودية.. الف كتاباً عن جمعية الارشاد الإسلامية وقد ذكر في مقدمته المامة موجزة عن دخول الاسلام إلى اندونيسيا حيث قال:
دخل الاسلام إلى اندونيسيا في أواخر القرن الهجري الأول بواسطة التجار العرب القادمين من جنوب شبه الجزيرة العربية.
ويضيف الاستاذ صلاح البكري:” جاء في كتاب (نخبة الدهر) لشمس الدين عبيد الله محمد بن طالب الدمشقي أن الاسلام وصل إلى جزر اندونيسيا في سنة ثلاثين من الهجرة”.
تجار حضرموت
يربط الاستاذ صلاح البكري بين وجود المذهب الشافعي في اندونيسيا ووجوده في حضرموت ان من نقل الاسلام الى هناك هم الحضارم حيث يقول:
” لعل انتشار المذهب الشافعي في اندونيسيا وانتشاره في حضرموت يعطينا دليلا قاطعا على ان الذين ادخلوا الاسلام الى اندونيسيا هم تجار حضرموت”.
الانصهار
كل حضرمي يعيش في اندونيسيا يندر ان تتبينه خصوصا اذا اندمج في المجتمع الاندونيسي وتزاوج معه.. وهناك اجيال كثيرة ربما بلغت اكثر من اربعة او خمسة اجيال بمتوسط عمر الجيل الواحد خمسون عاما انقطعت اسباب اتصالها.. وكل من يحمل اسما حضرميا سواء كان باوزير او باقيس, او العطاس او السقاف او شهاب او غيرهم من العوائل مثل (البكري, سنكر, التميمي) كلهم تقريبا قد فقدوا لغتهم العربية اللهم الا قراءة القرآن.. وهناك اجيال اخرى اخذت السحنة الشرقية فلا تعود تفرقهم الا بالاسم فقط.
سألت عن هذه الظاهرة السيد عبدالرحمن بن شيخ العطاس وهو صاحب مدرسة خيرية دينية وايضا رجل اعمال حيث قال:
” كان لتزاوج العرب مع الاندونيسيات اثر كبير في انصهار الجنسين سويا.. ولم يعد هناك عربي او اندونيسي.. هناك اندونيسي فقط”.
وكيف احتفظت انت بهويتك وسحنتك العربية؟
والداي عربيان.
وهل هناك تزاوج ايضا بين العرب
نعم وعلى قدم المساواة مع الاندونيسيين ايضا.
وكيف حصل هذا الاندماج
الشعب الاندونيسي شعب رقيق وطيب وبسيط وقد وجدوا في الاسلام دينا عظيما فقد دخلوا فيه بكل طواعية واحترموا أهله واستطاع العربي القادم من جنوب الجزيرة أن يعكس ذلك الخلق الاسلامي فحدث الاندماج والتزاوج والانصهار.
بدون زوجات
لعل الملفت للنظر ان المهاجرين العرب وبالتحديد الحضارم عندما خرجوا من حضرموت متجهين الى جزر الهند الشرقية خرجوا بمفردهم.. وهنا يقول السيد شيخ الجفري:
” لم يأتِ عربي واحد بزوجته من حضرموت هذا بالنسبة للمتزوجين.. اما غير المتزوجين فقد كانوا احراراً في تنقلهم.. ولذلك فقد كان (الحضرمي) يتزوج من اندونيسية وينجب منها ويكون عائلة وتكبر هذه العائلة ويتصاهر مع الآخرين وهكذا”.
ألم يجد الحضارم أي نفور أو ممانعة أو لنقل مقاومة كما يحدث الآن مع المهاجرين في بعض الدول؟
لا.. الشعب الاندونيسي كما قال لك أخي عبدالرحمن العطاس شعب طيب.. والعرب أيضاً كانوا على نفس القدر من الطيبة والألفة والاحترام للمجتمع الذي انتقلوا اليه.
لماذا لم ينقل المهاجرون الحضارمة زوجاتهم معهم
كانت للزوجة مسؤوليات محددة في المنزل وللمشقة في السفر في تلك القرون لم يكن من الممكن ان تصحب الزوجة زوجها لاسيما وان السفر يعني الموت.. ولاتقارن بين مانعيشه اليوم وما كان يعيشه الاجداد.
التجارة والتجار
لو سألتك لماذا ازداد الحضارم في اندونيسيا مع مرور القرون
الحضارم قصدوا جزر الهند الشرقية بحثاً عن التجارة أولاً.. وكانوا يستقرون في الاماكن التي يرتاحون اليها وينتجون فيها ويستفيدون منها وجزر الهند الشرقية تعتبر اماكن (بكر) لم تستغل وعرفها المستعمرون فاحلتوها.. والحضارم لم يكونوا محتلين لم يكونوا يبحثون عن سلطة أو اقامة دولة.. كان همهم التجارة فقط ولذلك كان المهاجرون الأوائل يُغرون الكثيرين من أبناء وطنهم بالهجرة معهم.. وهكذا أخذوا يتكاثرون.
هل يعني انهم سيطروا مثلاً على التجارة في اندونيسيا
مع مرور الزمن نعم.. ولا أبالغ اذا قلت بأنهم كانوا هم التجار الوحيدون في تلك الفترة.
والآن؟
لا.. الآن دخلت الكثير من الجنسيات.. وقد عمل الاستعمار الهولندي في فترة على حصر ممتلكاتهم ومصادرتها في بعض الأحيان..كما عمل على حصر اقامتهم في مناطق محددة لايستطيعون مغادرتها الا بواسطة تصريح يحمل توقيع الحاكم الهولندي.
هل دام ذلك التضييق على الحضارم؟
يقول السيد عبدالرحمن بن شيخ العطاس لقد دام ذلك التضييق على الحضارم فترة طويلة جداً لكن تدخل عدد من الشخصيات الحضرمية الفاعلة في المجتمع الاندونيسي ادى الى بعض الانفتاح تدريجيا.
يقول صلاح البكري في كتابه عن جمعية الارشاد:
“دام هذا التشديد والضغط سنين عديدة, وفي سنة 1916م ابدت الحكومة نوعاً من الحرية, وفي سنة 1919م رفعت عنهم ذلك التضييق وسمحت لهم بالانتقال من مدينة الى مدينة ومن قرية الى قرية ومن جزيرة الى جزيرة دون ان يجدوا أمامهم صعوبات وعراقيل”
نقلاً عن صحيفة عكاظ السعودية